Martin Auer: الحرب العجيبة, Stories for peace education

   
 

تقـرير لمجلس المنظومة الشمسية المتحدة

Please share if you want to help to promote peace!

Translated by Hala Sherif

This translation has not yet been reviewed

الرجل الحالم
الصبي الأزرق
كوكب الجزر
الخوف
الخوف... ثانية!
الكائنات الغريبة في كوكب هورتس
متى ما جاء الجنود...
المحاربان
رجل ضد رجل
الحرب فوق كوكب المريخ
العبـد
الحرب العجيبة
زِحـام
عند عتبة بابك
تقـرير لمجلس المنظومة الشمسية المتحدة
Foreword
Author's comments
Download (All stories in one printer friendly file)
About the Translator
About the Author
Mail for Martin Auer
Licence
Creative Commons licence agreement

Bücher und CDs von Martin Auer


In meinem Haus in meinem Kopf
Gedichte für Kinder

Die Prinzessin mit dem Bart
Joscha unterm Baum
Was die alte Maiasaura erzählt

Die Erbsenprinzessin

Der wunderbare Zauberer von Oz - Hörbuch zum Download

Die Jagd nach dem Zauberstab, Roman für Kinder - Hörbuch zum Download
Der seltsame Krieg
Geschichten über Krieg und Frieden

Zum Mars und zurück - Lieder
Lieblich klingt der Gartenschlauch - Lieder
Lieschen Radieschen und andere komische Geschichten - CD

(تاريخ الحياة فوق الأرض)

باسم مجلس المنظومة الشمسية المتحدة نقدم التقرير التالى حول كوكب الأرض أعده مجموعة من الباحثين:

ملاحظـة أولى

من واقع متابعاتنا لحوالى 10000 دورة من دورات كوكب الأرض ننصح بعدم ضم هذا الكوكب وسكانه إلى مجموعة المنظومة الشمسية المتحدة.

يوجد فوق كوكب الأرض نوع من السكان  يتصف بالذكاء وقد تزايد بكثرة خلال المليون دورة الأخيرة وانتشر فى ربوع الكوكب. هؤلاء السكان يطلق عليهم بشر. وعلى الرغم من ذكائهم ، فإنهم اليوم وقد وصلت أعدادهم إلى ستة مليارات  أصبحوا عاجزين عن توفيق أوضاعهم وتصريف شئونهم وأفعالهم بالطرق السليمة والمنطقية. فغالبا ما يدمر البعض منهم ما ينجزه الآخرون ، ويسلبون الغذاء والكساء من بعضهم البعض. وعلى الرغم من أنهم يصنعون أشياءً تيسِر عليهم العيش وتجمل حياتهم ، فإنهم فى المقابل يدمرون ويلوثون الهواء والماء والزرع فوق كوكبهم فيصعبون الحياة على أنفسهم من جديد.

ولدى هؤلاء السكان عادة مذمومة يعانون منها هى القتال بين فئتين ويطلقون عليها اسم "الحرب". فعندما تقوم الحرب تنقض جماعات كثيرة من البشر على بعضها البعض ، وتفنى كل جماعة الأخرى فتدمر البيوت وتسلب الزاد والقوت. وتطلق كل جماعة على الأخرى اسم "عدو"  وتتسبب كل منهما فى حدوث كوارث وفواجع.

وقد حاولت مجموعة الباحثين معرفة الأسباب التى تدفع البشر إلى هذا التصرف الممقوت. فوجدوا أن البشر أنفسهم قد فشلوا فى إيجاد إجابة شافية لهذا السؤال. والغريب فى الأمر أن كثيربن من بنى البشر يرفضون ويستنكرون تلك العادة الوحشية ويعتبرونها مصيبة كبرى أحلت بالبشرية.  لكن هناك أيضا من يستسيغ الحرب ويستمتع بمشاهدة صورها.

أما الذين يرفضون الحرب فلديهم المبررات المختلفة حول أسباب اندلاعها. البعض منهم يرى أنها حالة من الجنون تنتاب جماعات من البشر، على حين يعتقد البعض الآخر أن هناك روحين تسكنان نفوس البشر. كل روح مختلفة عن الأخرى. روح طيبة تحب الآخرين وروح شريرة تكره الآخرين.

وهناك من يعتقد أنه بالرغم من كون الحرب شيئا مفزعا فإنها ضرورية من حين لآخر. وكثيرا ما تندفع جماعتان من البشر إلى الحرب فتعلل كل جماعة منهما ما فعلته بقولها: "نحن لا نريد الحرب .. لكن الآخرين هم الذين دفعونا إليها."

أما المجموعة التى أعدت البحث ، فهى تميل إلى الاعتقـاد أن المشكلة الرئيسية للبشر أنهم أصبحوا غير قادرين على العيش فى جماعات كبيرة فى وئام وانسجام.، إذ يبدو أنهم لا يدركون أن هناك جماعات أخرى سواهم تعيش معهم فوق سطح كوكبهم.

ولتقريب هذا المعنى إلى أذهان البشر، يمكن أن نسوق مثلا لنوع من الكائنات الحية التى تعيش فوق كوكب الأرض يطلق عليهم البشر اسم "ثور". فإذا قمنا بربط ثورين فى أداة متحركة يطلق عليها البشر اسم "عربة"، وجعلنا الثورين يشدان تلك العربة ، سنلاحظ أن ثورا منهما سيقوم بشد العربة فى اتجاه الشمال ، أما الثور الآخر فسيشد العربة فى اتجاه الغرب. وسنجد فى النهاية أن الثورين سيصلان بالعربة إلى الشمال الغربى على الرغم من أنهما لم يقصدا هذا الاتجاه.  وهكذا ... فإن جميع البشر فوق الكوكب لم يدركوا أنهم مرتبطون ببعضهم البعض مثل ارتباط الثورين بالعربة. لكن تصرفات البشر أعقد بكثير من مجرد شد عربة. ونتيجة تلك التصرفات الصادرة من ستة مليارات كائن من البشر أصعب بكثير من حساب هذا الطريق الذى قطعه الثوران. ويبدو أن ذكاء البشر لا يصل إلى فهم تلك المسألة حتى اليوم.

وفيما يلى نقدم تقرير مجموعة الباحثين حول أسباب نشوب الحرب فوق كوكب الأرض:

الصيد

فى الماضى ، قبل آلاف الدورات لكوكب الأرض ، كان سكان الكوكب يعيشون على الصيد وجمع الثمار من الغابات. ولم تكن الحرب شيئا معروفا لديهم بعد. كان سكان الكوكب يعيشون فى قبائل صغيرة مع بعضهم البعض يجوبون الغابات. كل قبيلة تتكون من ستين إلى ثمانين شخصا فقط ، ربما يكونون عشر عائلات أو خمس عشرة عائلة.

وكان لكل قبيلة منطقة الصيد الخاصة بها التى تتجول فيها على مدار السنة للبحث عن الحبوب والثمار والِفطر وجمع جذور النباتات والقواقع والضفادع ، وأيضا صيد ما يمكن اصطياده من الحيوانات. وقد عاشت القبائل فى الوديان بين الجبال ، كل ثلاث أو أربع قبائل فى منطقة ، فالغابة لا تكفى لإطعام أعداد كبيرة من الأفراد. ولم تكن القبائل تعرف الملوك أو الرؤساء ، ولا تعرف المحاكم ولا الشرطة ولا السجون. ولم يكن لديها قوانين. ولِم القوانين؟  فحين يقوم شخص بفعل شىء لا يروق الآخرين ، فإنهم يجلسون مساء مع بعضهم البعض حول النار يتدفئون ويتناقشون. وحين يريدون اصطياد الغزلان ، فإنهم يتبعون أمهر صياد فيهم. وحين يأتى وقت جمع العسل من قلب خلية نحل مفترس ، فإنهم يتبعون المرأة التى تتعامل مع النحل. أما حين يشتد الخلاف بينهم ، فإنهم يتبعون نصيحة الرجل الأكبر سنا أو المرأة الأكبر سنا فيهم لما لديهما من خبرة بالحياة.

وكانت تلك القبائل تعيش مترابطة فى تضامن واتحاد وتقتسم كل شىء فيما بينها، لأنها لا تقوى على البقاء إذا لم تفعل ذلك. وعندما يتزايد عدد الأفراد فى قبيلة ، كان عليها أن تنقسم ليذهب نصف أفرادها للبحث عن مناطق أخرى للصيد.  وربما تطأ القبيلة الجديدة منطقة خاصة بقبيلة أخرى.  هنا وعندئذ ..  من الممكن أن ينشأ نزاع بينهما ، ولكن سرعان ما كان هذا النزاع ينتهى ولا يتعدى كونه مشاجرة بين طرفين. وعندما تلجأ قبيلة منهما إلى الفرار كان النزاع يتلاشى كأنه لم يكن. وفى العادة لم تكن تنشأ تلك المنازعات إلا حين تضطر قبيلة منهم إلى الرحيل إذا كثر عدد أفرادها. أما فيما عدا ذلك ، فلم يكن هناك ما يدعو للنزاع أو القتال.

ولم تكن لمثل تلك القبائل الرغبة فى أن تعمل دوما على زيادة رقعة المنطقة التى تصيد فيها لأنها لا تملك القدرة على الانتفاع بالمساحات الكبيرة. ولهذا  لم يكن من المنطق السطو والاعتداء على منطقة مجاورة لقبيلة أخرى لأن الفريق المعتدى لن يجد ما يستولى عليه ، فجميع القبائل فى ذلك الوقت لم يكن لديها سوى مخزون قليل من الصيد أو الطعام. فقد كانوا يعيشون على قوت يومهم ، يوما بيوم.

الزراعة

ومنذ حوالى 6000 دورة من دورات الكوكب ازدادت الفروق المناخية على مدار فصول السنة ما بين الجفاف والبرودة. وكان من تأثير ذلك أن بعض النباتات أصبحت لا تنمو، كذلك انقرضت بعض الحيوانات التى كانت تتغذى على تلك النباتات. وكانت هناك نباتات ذات جذور قوية استطاعت أن تصمد أمام التغير المناخى واكتشف الإنسان كيف يرعاها ويعتنى بها. كما اكتشف الإنسان كيف يمكن أن يزرع فى مساحة ضيقة الكثير من الحبوب والبذور ، وفطن إلى أن هذا أفضل من التجوال والرحيل من منطقة لأخرى والاكتفاء بما يجده فى تلك المناطق من طعام. من هنا قررت القبائل عدم التنقل والترحال وقام أفرادها لأول مرة ببناء القرى وأصبحوا مزارعين.

ولقد احتفظ هؤلاء المزارعون بالكثير من عادات الصيد القديمة التى كانوا يألفونها. فكما كانوا يخرجون للصيد جميعا، أصبحوا الآن يفلحون الأرض معا فى الحقول. لم تكن الأرض ملكا لأحد ، كانت ملكا لهم جميعا. وعندما تستدعى الحاجة إلى مناقشة أمور مشتركة بينهم ، كان سكان القرى يجتمعون لمناقشة هذه الأمور دون اللجوء إلى اختيار حكام من بينهم. وحين يكون هناك ضرورة لتنظيم شأن ما ، كاستصلاح قطعة أرض أو بناء مجمع للبلدية أو القيام برحلة صيد ، فإنهم كانوا يطلبون ممن يمتلك الخبرة والمعرفة فى هذا الشأن تولى زمام القيادة سواء كان رجلا أم امرأة.  وكان هذا النظام هو السائد بينهم. وقد كان الرجال لا يزالون يخرجون للصيد على الرغم من تضاؤل فرصه عما كان من قبل. وكان معظم العمل فى الحقول يتم بواسطة السيدات. ولأن الطعام الرئيسى كان مصدره الحقل ، فإن الكلمة العليا كانت للسيدات وليس للرجال.

كانت لحياة المزارعين سلبياتها وإيجابياتها. 

قديما، عندما كانوا يعيشون على الصيد وجمع الثمار والترحال فى الغابة لم تكن فلاحة الأرض تعنيهم ، ولم يكن موت نوع من النبات يقلقهم ، حيث كانوا يجدون غيره فى مناطق أخرى من الغابة. ولكنهم الآن .. مستقرون فى قطعة أرض. فإذا هجم عليهم الجفاف يتضورون جوعا. وصار غذاؤهم محدودا لا تنوع فيه فضعفت أسنانهم ونحلت أجساد أطفالهم. وصار عملهم شاقا يسير على وتيرة واحدة. وأصبحت حياتهم خالية من التنوع والمغامرة والإثارة كما كانت من قبل. لكن العودة إلى الوراء كان مستحيلا. يكفى أن حياة الصيد والترحال كانت تحتاج إلى مساحات شاسعة من الأرض ، بينما حياة المزارعين تحكمها مساحات محدودة.

أما الجديد فى حياة المزارعين فيتلخص فى أنهم أصبحوا ينتجون أكثر مما يستهلكون. فلم يعودوا يعيشون من قوت يومهم فقط ، بل أصبح فى مقدورهم جمع مخزون من الطعام لتأمين حياتهم فى الأوقات الصعبة حين يهاجمهم الجفاف أو يباغتهم الطوفان. وعندما كان المخزون يفيض فى عام من الأعوام ، كانوا يستثمرون الفائض لتنمية أشياء أخرى ، فيلجأون مثلا إلى الاكتفاء بزراعة عدد أقل من الأفدنة فى مقابل أن يقوم نفر من المزارعين بشق ترعة للرى حتى تخرج الأرض محصولا أكثر وفرة فى العام الذى يليه فيتضاعف بالتالى المخزون.. وهكذا.. . ومع نمو المخزون يجد المزارعون فرصة سانحة لالتقاط الأنفاس والراحة أو توجيه جهودهم لاستثمارات جديدة. فإذا كانت الأرض لا تحتاج كل الأنفار لزراعتها ، فإن البعض كان يتجه إلى مهنة الحدادة .. وآخرين إلى صناعة الخزف والفخار ومهن أخرى مختلفة. ومع تطور تلك الفنون والصناعات كانت حياة المزارعين تتطور أيضا مع السنين. وبمرور الوقت تخصص البعض منهم فى مهن مثل التمريض أو الدعوة للدين أو تأليف الأغانى. وعلى الرغم من أن هذه المهن ليست فى مجال الزراعة ولا علاقة لها بنمو المحاصيل فقد جعلت الحياة أكثر ثراء وبهجة. وبدأ التقدم يأخذ مجراه على مهل وبخطى حثيثة . وبدأ الناس يصنعون الحلى ويرسمون اللوحات وينحتون التماثيل ويؤلفون الحكاوى والأشعار. وأصبحت الملابس أكثر رونقا وتعددت فنون الرقص وكانت الحياة تتسم بالوداعة والسِلم.

الرعى

أما الصيد فكان لا يزال موجودا فى مناطق أخرى وكان الصيادون يقتفون أثر حوافر الأغنام. كانت الإبل والغزلان والخراف والماعز ترعى فى الشتاء فى السهول والوديان وفى الصيف فوق الجبال والمرتفعات. وكان الصيادون يقتفون أثرها وهم يتنقلون. وكانوا يجدون التمر وثمار البلوط واللوز والفستق فى السهول ، ويجدون التفاح والكمثرى على المرتفعات. وكانت هناك الأعشاب البرية التى تنمو على ارتفاعات مختلفة فى مختلف فصول السنة. وكلما كان الصياد محنكا وماهرا فى الصيد عرف كيف ينتقى الفريسة التى يمكن الإيقاع بها. وكان الصيادون يستهدفون الكباش الصغيرة ويتركون إناث الحيوانات حتى يتركوا الفرصة للقطيع أن يتكاثر. كما كانوا يصطادون الدببة والذئاب والثعالب حتى لا تفتـك بالإبل والماشية والأغنام. وكانوا يدفعون القطيع إلى مناطق آمنة ليسهل عليهم الاعتناء بها. كانت الغزلان والكباش أكثر وداعة من الخراف والماعز وتألف سريعا صحبة البشر ولذلك كان الصيادون يفضلون اقتفاء أثرها.

ومع مرور الوقت تحول الصيادون إلى رعى الإبل والأغنام وأصبحوا رعـاة. وكانت حياة الرعاة تشبه إلى حد كبير حياة الصيادين. فقد كان الرعاة مثل الصيادين يتنقلون على مدار السنة فى الأراضى الشاسعة للمراعى الخضراء. وكانوا أيضا يقتفون آثار الحيوانات التى لا يستطيعون ترويضها. ولأن هذا العمل كان مرتبطا بالرجال وليس بالسيدات، فقد أصبح الرجال هم المسئولين عن القطيع بل اعتزوا بما يمتلكون من إبل وأغنام، وهذا ما جعل الرجل فى تلك المجتعمات هو المتسيد وله الكلمة العليا.

وجمعت الرعاة والمزارعين مصلحة مشتركة. فقد كان لدى كل طرف منهما شيئ يحتاجه الآخر. كان الرعاة يحصلون من المزارعين على الحبوب والخبز والأوانى الفخارية، على حين كان المزارعون يحصلون من الرعاة على لحم الإبل والماشية وجلود الحيوانات والجوز واللوز والأعشاب البرية.

القوى والضعيف

وفى يوم من الأيام اكتشف رئيس قبيلة الرعاة وهو راع وصياد له نفوذ كبير فى قبيلته أنه من الممكن أن يأخذ الرعاة ما يحتاجونه من المزارعين دون إعطائهم شيئا فى المقابل.  لم يكن لدى المزارعين دراية بأمور الصيد والقنص ، وبالتالى لم يكونوا محاربين بارعين. أما بالنسبة للرعاة فقد كانوا أقرب إلى حياة الصيد من المزارعين ونظروا إلى المزارعين على أنهم مجرد صيد أو فريسة جديدة.  وعلى هذا النحو دأبوا على مهاجمتهم والاستيلاء على ما لديهم.  ولكن .. لا يعنى هذا أنهم تحولوا فجأة إلى أشرار، بل أغلب الظن أنهم ظلوا محتفظين بأسلوبهم المعتاد فى السعى وطلب الرزق وهو الصيد ، وطبقوا هذا الأسلوب على فريسة من نوع آخر، وهم المزارعون وما يملكون من ماشية وحبوب وغلال. ومع هذا .. ظل الرعاة فيما بينهم متعاطفين، لا يقسون على أحد، يساعدون بعضهم البعض كما كانوا دائما، يقتسمون الغنائم ، ويشتركون فى تنظيم أمور معيشتهم ، يحنون على أطفالهم ويلاطفونهم.  لقد كانوا صيادين وليسوا محاربين ، كان الصيد هو ما يعرفونه فى دنياهم وما تربوا عليه. أما الحرب فى حد ذاتها فلم تكن غايتهم، ومع ذلك .. فمن خلالهم .. وُلِدت الحرب وخرجت إلى الوجود.

ولكن .. لماذا كان الرعاة يسطون دائما على قرى المزارعين وينهبون خيراتها؟ 

لقد اعتاد المزارعون إنتاج كميات تفوق بكثير ما يستهلكون بالفعل. ولو كان الرعاة فى أثناء سطوهم يتركون شيئا فى مخازن الغلال ولا يسلبونها بالكامل ، أو يتركون بعض الأغنام ولا يسرقون القطيع كله ، لو أنهم فعلوا ذلك ، إذن لاستطاع المزارعون أن يجدوا بطريقة أو بأخرى ما يقتاتون به حتى موسم الحصاد القادم. ولكن الرعاة كانوا دائما يسلبون خيرات المزارعين عن آخرها، وكان المزارعون بدورهم يسارعون بتعويض ما سُلب منهم، فتمتلىء المخازن بالحبوب مرة ثانية ويفيض المحصول ويجد الرعاة ما يمكن الاستيلاء عليه .. وهلم جرا.

السادة والعبيد

ومع الوقت .. عقد الرعاة نوعا من الاتفـاق مع المزارعين يغنى عن السطو والاعتداء. وكانت تلك الاتفاقية تنص على أن يقدم المزارعون الحبوب والغلال والماشية طواعية للرعاة، وهو ما أطلقوا عليه اسم "جزية" أو "ضريبة" – على أن يكف الرعاة عن السطو على المزارعين ، بل يقومون فى المقابل بحمايتهم والدفاع عنهم. ومع استقرار هذا الوضع أصبح الرعاة سادة يتحكمون ويحاربون ، وأصبح المزارعون عبيدا لهم.

وحدث شئ يستحق الدهشة والتعجب. فعلى الرغم من أن هؤلاء الرعاة الذين صاروا أسيادا لا يعملون، بل يستهلكون بإسراف ما ينتجه المزارعون ، فإن المجتمع فى مجمله كان مجتمعا يملك فائضا كبيرا يكفى نفسه ويزيد أكثر مما كان من قبل وقت أن كان المزارعون أحرارا غير مستعبدين. أما تفسير ذلك فهو أن المزارعين صاروا ينتجون بوفرة ولا يحتفظون لأنفسهم سوى بالقليل من إنتاجهم عكس ما كانوا فى سابق عهدهم. فعندما كان المزارعون أحرارا يملكون وحدهم خيراتهم ويتحكمون فى تنظيم أوقاتهم لم يكن أحد يضطرهم أو يجبرهم على بذل أقصى ما يمكن القيام به من أعمال ، كما كانوا أيضا لا يرضون بالقليل الذى يكفل لهم العيش فحسب. وهل كان لأى عاقل فيهم أن يرضى بذلك؟

وهذا هو بالضبط ما يُفرض عليهم اليوم من سادتهم: وهو أن يبذلوا أقصى ما عندهم من جهد وأن يقنعوا بأدنى ما يمكن أن يكتفوا به للعيش.

ولأن هذا المجتمع مجتمع المزارعين والأسياد - كان ينتج فائضا كبيرا ، أكبر من أى مجتمع آخر، فكان لابد من شق المزيد من الترع للرى وصناعة المزيد من الآلات واكتشاف المزيد من المخترعات أكثر من أى مجتمع آخر. بل أصبح فى إمكان هذا المجتمع إنتاج أسلحة كثيرة وبناء التحصينات الجيدة. باختصار كان هذا المجتمع يتفوق على غيره من المجتمعات التى كانت موجودة فى ذلك الوقت وكانت لديه القدرة على النمو سريعا وإخضاع المجتمعات الأخرى وإجبارها على تقليده.

 لم تكن قبـائل الصيادين الأولى تهتم بتوسيع منطقة الصيد الخاصة بها ، إذ أنه لم يكن فى استطاعتها استغلال تلك المناطق الاستغلال الأمثل. وكذلك فعل المزارعون ، فقد  كانوا لا يهتمون بتوسيع رقعة الأرض التى يزرعونها لأنه لم يكن فى مقدورهم استصلاح وزراعة أراض كثيرة.  ولكن .. حين انقسم المجتمع إلى سادة وعبيد ، كان الأسياد وهم الحكام يتطلعون دائما لضم الكثير من القرى والمناطق تحت سيطرتهم. وكلما كثرت المناطق التى يحكمونها ، حصلوا على المزيد من الضرائب التى يفرضونها على الأهالى. وكلما تزايدت حصيلة الضرائب، أمكن الصرف على المزيد من التحسينات والتى بدورها تدعم سلطانهم ونفوذهم مرة أخرى.

وسريعا ما ظهر محاربون فى مناطق أخرى لهم نفس التوجه، فهم يحاربون

ويسيطرون على مجتمع المزارعين، وكان على الحكام أن يحذروهم. ومن هنا ...أصبحت الحرب سلوكا مألوفا بين القبائل والمجتمعات ، بل تحولت إلى عـادة تحكمهم.

تلخيص

ولنقم بتلخيص تلك الحكاية المؤسفة:

ففى البداية ، عندما كان الفرد حرا، كان يستغل الوقت المتاح بعد العمل لصنع أشياء تجعل الحياة أكثر بهجة ومتعة. وكان الأفراد يستثمرون وقتهم لتأليف الموسيقى وتصميم الرقصات وحكى القصص وصناعة الحلى وزخرفة ملابسهم وتزيين أجسادهم.

أما عندما سيطر الحكام المحاربون على المجتمعات والقبائل ، فقد أجبروا الأهالى على زيادة الإنتاج حتى يستطيع الحكام الحصول على المعادن وصناعة السلاح، وبناء الأسوار الدفاعية والأبراج العالية ، وكلها أشياء لا تجلب للفرد سوى التعاسة والألم.

ومن عجائب الأمور ..أن البلدان التى كانت تحارب كان يوجد فيها الملبس الجميل والحلى الثمين والتماثيل الضخمة والموسيقى الجميلة. لكن كل تلك الأشياء الجميلة لم تكن فى متناول الشعب ، بل كانت ملكا للحكام فقط.  كان الحكام يجلبون أمهر الفنانين إلى قصورهم، يقدمون لهم أفخر أنواع الطعام وأفخم الملابس ويوفرون لهم أطيب الإقامة فى أحسن البيوت حتى يتفرغوا طوال اليوم لإبداع أجمل ما عندهم. ولكن ما يبدعونه من فنون لم يكن ينتفع به عامة الشعب.

 

وكان يمكن أن نجد فى كل قرية موسيقى فنان أو صانع حلى ماهر، ولكن هؤلاء كانوا فى نفس الوقت مزارعين ولم يكن لديهم بالتالى الوقت الكافى لتنمية مواهبهم الفنية وصقل مهاراتهم.

ونستطيع القول إن مجتمع الحكام المحاربين كان فى العادة مجتمعا غنيا، إذ كان الحكام يعيشون فى ثراء ويتحكمون فى ثروة البلاد بينما يعيش معظم الشعب فى فقر وجهل. وهذا هو السبب الحقيقى الذى كان يجعل الحكام أقوى من أفراد الشعب ويجعل الحكام أيضا يخضعون سائر أفراد الشعب تحت حكمهم وسيطرتهم.

من هنا .. أصبحت الحرب تمثل عالم القتال والسلب والقمع.

ولم تكن طريقة العيش التى تجلب السعادة والمتعة لمعظم أفراد الشعب هى السائدة، بل كان أسلوب العيش يفرض على الفرد توفير الفائض الأكبر من الإنتاج لجعل التقدم السريع ممكنا. أما إلى أين يمكن أن تنقـاد الشعوب ، فهذا ما سوف نعرض له هنا من خلال مثال لمنطقة كان يُطلق عليها الإمبراطورية الرومانية:

فسرعان ما اكتشف الأمراء المحاربون من الرومان أنه بإمكانهم مضاعفة ثرواتهم إذا ما جعلوا أعداءهم المهزومين عبيدا لهم. لم يكن للعبـد أي حقوق ، كان عليه أن يعمل بجد مثل الحيوان ، وكان غالبا ما يعامل معاملة أسوأ من الحيوان. وفى الواقع لم يكن العبد يعمل إلا إذا أُجبر على العمل. ولم يكن العبد يعيش طويلا ، فقد كان لا يحظى حتى على العناية المتوفرة للحيوان. ولكن .. لم تكن تلك هى المشكلة بالنسبة لأمراء الرومان. فقد كان يمكنهم خوض المزيد من الحروب وأسر المزيد من العبيد. وقد وصل الأمر فى روما إلى أن نبذ الرومان الأحرار العمل وأصبحوا لا يبتغونه ، إذ كان العمل فى نظرهم من مهام العبيد. وركزت الإمبراطورية الرومانية على الحروب التى تدخل فيها دوما لجلب أكبر عدد ممكن من العبيد الذين يتولون القيام بجميع الأعمال ويوفرون الغـذاء لروما الكبيرة. أما الرومان الأحرار فقد كانوا كلهم إما جنودا يخوضون الحروب أو عاطلين يتسكعون ولا عمل لهم ، فيما عدا قلةً منهم كانوا يعملون فى خدمة القيصر ، وعدداً منهم يمتلكون الأراضى وآخرين يتاجرون فى العبيد.

ودأبت الإمبراطورية الرومانية على شن  حروب كثيرة ، واتسع ملكها وتمدد. ثم جاء يوم .. انهارت فيه تلك الإمبراطورية وسقطت. لقد اتسع نطاق حكمها وتضخم حتى إن الجنود الرومان عجزوا عن الدفاع عن الحدود البعيدة المترامية ، وعجزوا أيضا عن  حراسة العبيد وإخضاعهم فى جميع البلاد وعرضها. و جاء وقت أصبحت فيه الحروب لا تعمل على تقوية البلاد ، بل تضعف من شأنها ، حتى انتهى المطاف إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية وسقوطها.

وظهرت إمبراطوريات أخرى حلت محل الإمبراطورية الرومانية. ونشأت أشكال أخرى من الحياة الاجتماعية.  ولكن بقى هناك شىء لم يتغير: فقد غلب طابع الحياة الذى يجبر الفرد على الإنتاج وتوفير الفائض الأكبر منه ، وليس نمط الحياة الذى يهب نوعا من الراحة والمتعة للفرد. فقد كانت الإمبراطوريات أو البلاد التى تملك فائضا كبيرا من الإنتاج هى التى تمتلك القدرة على أن تخضع البلدان الأخرى وتملى عليها طريقة العيش. ولهذا لم تختف الحروب إلى يومنا هذا من حياة البشر.  وتستغل الشعوب الجزء الأكبر من الفائض لديها لإنتاج أنواع جديدة ومتطورة من الأسلحة. فاليوم يمتلك البشر أسلحة تستطيع تدمير الحياة كلها من على كوكبهم. ولهذا أصبح هؤلاء البشر يمثلون خطرا على كوكب الأرض.

ولن يستطيع البشر اكتشاف نوع جديد من أنواع الحياة الاجتماعية فوق كوكب الأرض إلا إذا أدركوا أن الحرب والقمع لا يجلبان سوى ثروة ظاهرية. ولابد للبشر أن يدركوا أن الثروة الحقيقية لا تكمن فى حجم الثروات التى يمكن لشعب أن يمتلكها، والتى تمكنه بدورها من زيادة الإنتاج ، بل إن الثروة الحقيقية للشعوب فوق هذا الكوكب تكمن فى أن يجد معظم سكان الكوكب وقتا كافيا لسماع وعزف الموسيقى والرقص وتبادل الأحاديث واللعب والتأليف والرسم والحكى وممارسة الرياضة. باختصار أن يجد الفرد وقتا لتجميل الحياة من حوله. أما فيما عدا هذا .. فإن الحروب يمكن أن تنشأ فتدمر الكوكب بأكمله فتنهار الحياة كما حدث مع انهيار الإمبراطورية الرومانية.

ختـام

وأخيرا ..

فإن الأمر قد حُسم بعدم قبول سكان كوكب الأرض فى مجموعة المنظومة الشمسية المتحدة طالما أن سكان هذا الكوكب لا يدركون و لا يفهمون أبسط القواعد الأساسية للحياة معا فى جماعات كبيرة وكثيرة.

هذا هو ما انتهى إليه تقرير مجموعة الباحثين.



* تخيل المؤلف وجود هذا المجلس لكى يوضح من خلاله أفكاره حول نشأة الصراع بين البشر - المترجمة

Author's comments


This site has content self published by registered users. If you notice anything that looks like spam or abuse, please contact the author.